جبلة حبشي
Public Asia
Public Asia
Active 2 years ago
تقع قرية جبلة حبشي جنوب شارع البديع ما بين جدحفص والقدم. وسميت بالجبلة ربما لأنها مرتفعة أو بسبب وجود... View more
Public Asia
Group Description
تقع قرية جبلة حبشي جنوب شارع البديع ما بين جدحفص والقدم. وسميت بالجبلة ربما لأنها مرتفعة أو بسبب وجود التلال الأثرية وبالخصوص في الجزء الشمالي الغربي منها. وتعتبر واحدة من ثلاث قرى ارتبطت أسماؤها بأسماء جماعات عرقية في شرق إفريقيا. وهذه القرى هي: جبلة حبشي، موضع النقاش، (نسبة للحبشة)، والبجوية وهي جزء من البرهامة حالياً (والبجاوية جماعة عرقية في السودان)، والزنج. ولا يعرف بالتحديد لماذا ارتبطت هذه القرى بهذه المسميات، إلا أنه يلاحظ أن القرى الثلاث توجد في الحيز المكاني نفسه؛ حيث إنها تحيط بمنطقة جدحفص. فهل كانت هذه المناطق تمثل سكن العبيد في العصور القديمة؟
يرى سالم النويدري أنها سميت بجبلة حبشي وذلك ربما أنها «كانت موئلاً لجماعة من الأحباش في بعض العصور التاريخية الماضية». ويرى آخرون أن هذه القرى ربما ارتبطت بصاحب الزنج. وهذا الافتراض الأخير لا نرجحه؛ حيث إن دعوة صاحب الزنج، التي بدأت في البحرين العام 863م، قد فشلت في البحرين ولم يتبعه إلا نفر قليل، وبعدها خرج من البحرين متجهاً إلى البصرة في العام 867م .
يذكر أنه في العام 2003م كانت هناك محاولات لتغير اسم القرية من جبلة حبشي إلى النجيمات. إلا أن الغالبية رفض التسمية الجديدة. والنجيمات في الأصل هي اسم نخيل (مزرعة) توجد في جبلة حبشي وقد عُرف الحي التي كانت توجد به هذه المزرعة باسم النجيمات، وكان سكان هذا الحي هم من طالبوا بتوثيق مسمى نجيمات كاسم لحيهم ولكن قوبل الطلب بالرفض .
جبلة حبشي حيث معامل الفخار الدلمونية
كانت توجد أهم آثار جبلة حبشي جنوب شارع البديع وبالتحديد في المنطقة التي بها مدرسة جدحفص الصناعية ومدرسة جدحفص الإعدادية، وهذه الآثار لم يبقَ منها إلا تلة أو تلتان توجد حالياً شرق مدرسة جدحفص. وقد تعرض الموقع لعمليات إنقاذ تلتها عمليات تجريف. وفي العام 1977م كانت هناك حملة إنقاذ لبعض تلك التلال عندما كانت هناك حاجة لبناء صفوف جديدة في مدرسة جدحفص، ولا يوجد تقرير عن عملية الإنقاذ هذه إلا أن أحد المنقبين فيها، وهو محمد رضا معراج، حدثنا عن تفاصيل ما تم العثور عليه. ومن ضمنها أساس لمستوطنة (مدينة أو قرية) يرجح أنها تعود للحقبة الدلمونية، فقد عثر على آثار تعود لحقبة بابل الجديدة (قرابة 600 ق. م). كذلك، فقد عثر فيها على فرن لحرق الفخار يعود للحقبة الدلمونية. ويصف معراج هذا الفرن أنه من الحجم الصغير وهو بيضاوي الشكل ويتكون من طابقين، وقد تم تصويره في حينها، وبعض بقايا هذا الفرن توجد في مخازن متحف البحرين (معراج، مقابلة شخصية). وهذا النموذج هو الذي كان سائداً في الحضارات القديمة التي عاصرت دلمون. وهو نموذج مصغر للأفران الحديثة التي تعرف بالدوغة. يذكر أن دلمون عرفت أفران حرق الفخار فقد عثر في فيلكا على فرن لحرق الفخار يعود لحقبة دلمون أيضاً
هذه المعلومات تعزز من نظريتنا التي رجحناها في حلقة سابقة عن وجود مدينة دلمونية في جدحفص، بالإضافة لوجود قصر لملك دلموني؛ وذلك بحسب الحجر الذي عثر عليه في مدرسة داود في جدحفص. أما فيما يخص صناعة الفخار وتوارثه عبر العصور في البحرين فقد تناولناه في سلسلة مقالات سابقة عن «ثقافة الطين».
«البلايا» وعرب ما قبل الإسلام
من ضمن التلال الأثرية التي توجد في جبلة حبشي، تلال تعود لحقبة تايلوس، وقد عثر في أحدها على فخار ربما يعود تاريخه للحقبة 400 م – 600 م. كذلك، ففي الخمسينيات من القرن الماضي نقبت البعثة الدنماركية في مجموعة من تلال القبور الأثرية في جدحفص ، ويرجح أنها امتداد لتلال جبلة حبشي، لكنها ربما تكون غرب قرية الديه وشرق قرية المقشع. بعض هذه القبور تعود للحقبة البارثية أو قرابة منتصف القرن الثاني الميلادي، وبعضها يعود لحقبة العصر الجاهلي؛ فقد عثر في إحدى هذه التلال على قبور تعود للقرن السادس الميلادي، وعثر في أحد تلك القبور على هيكل عظمي لناقة صغيرة . وقد رجح الباحثون أن قبر هذه الناقة يشير إلى طقوس الدفن عند عرب ما قبل الإسلام؛ حيث عثر على عددٍ من قبور الجمال في شرق الجزيرة العربية والإمارات العربية وعمان، وتم التأكيد على أن هذه القبور تمثل ما عرفته العرب قبل الإسلام باسم «البلايا» مفردها «بلية» . يذكر أنه عثر في الشاخورة على قبر به هيكل عظمي لحمار، وقد اعتبر هذا، أيضاً، كنوع من البلايا
هذا، وقد ذكر جواد علي في كتابه «المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام» تفاصيل بشأن البلايا ومعتقدات العرب قبل الإسلام . ومما جاء عنده بشأن البلية: «إن قوماً من الجاهليين كانوا إذا مات أحدهم عقلوا ناقة على قبره وتركوها حتى تبلى، وتسمى لذلك «البلية». وقالوا، البلية، كغنيّة، الناقة التي يموت ربها، فتشدّ عند قبره، فلا تعلف ولا تسقى حتى تموت جوعاً وعطشاً، أو يحفر لها وتترك فيها إلى أن تموت؛ لأنهم كانوا يقولون صاحبها يحشر عليها» .
وبذلك تعطينا مجموعة تلال القبور في الشاخورة وجدحفص وجبلة حبشي أدلة قوية على استيطان القبائل العربية بالقرب من هذه المناطق. وفيما يخص أي القبائل العربية استوطنت هذه المناطق؟ وفي أي حقبة زمنية؟ فقد أجبنا عن هذه الأسئلة بصورة مفصلة في سلسلة المقالات التي نشرناها سابقاً وتناولنا فيها تاريخ البحرين قبل الإسلام.
الآثار الإسلامية المبكرة
سبق أن ذكرنا أن أقل الحقب الزمنية تمثيلاً في آثار البحرين هي الحقبة ما بين 400 م – 600 م. إن تناقص أو اختفاء تلال القبور التي تعود لهذه الحقبة لا يعني بالضرورة عدم وجود شعوب مستوطنة في المنطقة، بل ربما يشير لتغير حدث في طقوس الدفن. يذكر أن العديد من العرب التي سكنت البحرين اعتنقت الديانة المسيحية، وبذلك تركت طقوس الدفن للديانات السابقة الأقرب للوثنية. ومع ذلك استمرت طقوس الدفن القديمة في الاستمرار، وهذا دليل على وجود التنوع الديني والمذهبي في تلك الحقبة. ويلاحظ أيضاً وجود استمرارية في ثقافة طرق حفر القبور؛ حيث عثر على قبور إسلامية حفرت في الصخر بنفس طريقة قبور ما قبل الإسلام مع تغير طقوس الدفن.
وهناك دلائل تشير لاستمرارية الاستيطان في هذه المناطق حتى الحقبة العباسية، وربما بعدها أيضاً؛ فقد عثر في العام 2002م في إحدى المواقع الأثرية في جبلة حبشي على عملة عباسية مصنوعة من البرونز، وهذه العملة شبيهة بما عثر عليه في شرق الجزيرة العربية من العمل التي ضربت في البحرين والتي تعود لقرابة العام 140 هجرية والتي سبق أن ذكرناها في حلقة سابقة.